الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
هَذَا التَّفْصِيلُ الَّذِي يُؤْخَذُ مِنْ مَجْمُوعِ الْآيَاتِ يَتَّفِقُ مَعَ الْمُخْتَارِ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْكَوْنِ فِي هَذَا الْعَصْرِ مِنْ أَنَّ الْمَادَّةَ الَّتِي خُلِقَتْ مِنْهَا هَذِهِ الْأَجْرَامُ السَّمَاوِيَّةُ وَهَذِهِ الْأَرْضُ كَانَتْ كَالدُّخَانِ، وَيُسَمُّونَهَا السَّدِيمَ، وَكَانَتْ مَادَّةً وَاحِدَةً رَتْقًا ثُمَّ انْفَصَلَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَيُصَوِّرُونَ ذَلِكَ تَصْوِيرًا مُسْتَنْبَطًا مِمَّا عَرَفُوا مِنْ سُنَنِ الْخَلْقِ، إِذَا صَحَّ كَانَ بَيَانًا لِمَا أُجْمِلَ فِي الْآيَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ لَمْ يَكُنْ نَاقِضًا لِشَيْءٍ مِنْهَا، فَهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ تِلْكَ الْمَادَّةَ السَّدِيمِيَّةَ كَانَتْ مُؤَلَّفَةً مِنْ أَجْزَاءٍ دَقِيقَةٍ مُتَحَرِّكَةٍ، وَأَنَّهَا قَدْ تَجَمَّعَ بَعْضُهَا وَانْجَذَبَ إِلَى بَعْضٍ بِمُقْتَضَى سُنَّةِ الْجَاذِبِيَّةِ الْعَامَّةِ، فَكَانَ مِنْهَا كُرَةٌ عَظِيمَةٌ تَدُورُ عَلَى مِحْوَرِ نَفْسِهَا، وَأَنَّ شِدَّةَ الْحَرَكَةِ أَحْدَثَتْ فِيهَا اشْتِعَالًا فَكَانَتْ ضِيَاءً- أَيْ نُورًا ذَا حَرَارَةٍ، وَهَذِهِ الْكُرَةُ الْأُولَى مِنْ عَالَمِنَا هِيَ الَّتِي نُسَمِّيهَا الشَّمْسَ.وَيَقُولُونَ أَيْضًا: إِنَّ الْكَوَاكِبَ الدَّرَارِيَّ التَّابِعَةَ لِهَذِهِ الشَّمْسِ فِيمَا نُشَاهِدُ مِنْ نِظَامِ عَالَمِنَا هَذَا قَدِ انْفَتَقَتْ مِنْ رَتْقِهَا، وَانْفَصَلَتْ مِنْ جِرْمِهَا، وَصَارَتْ تَدُورُ عَلَى مَحَاوِرِهَا مِثْلِهَا. وَمِنْهَا أَرْضُنَا هَذِهِ، فَقَدْ كَانَتْ مُشْتَعِلَةً مِثْلَهَا. ثُمَّ انْتَقَلَتْ مِنْ طَوْرِ الْغَازَاتِ الْمُشْتَعِلَةِ إِلَى طَوْرِ الْمَائِيَّةِ فِي زَمَنٍ طَوِيلٍ بِنِظَامٍ مُقَدَّرٍ بِكَثْرَةِ مَا فِيهَا مِنَ الْعُنْصُرَيْنِ اللَّذَيْنِ يَتَكَوَّنُ مِنْهُمَا بُخَارُ الْمَاءِ فَكَانَا يَرْتَفِعَانِ مِنْهَا فِي الْجَوِّ فَيَبْرُدَانِ فَيُكَوِّنَانِ بُخَارًا فَمَاءً يَنْجَذِبُ إِلَيْهَا ثُمَّ يَتَبَخَّرُ مِنْهَا حَتَّى غَلَبَ عَلَيْهَا طَوْرُ الْمَائِيَّةِ. ثُمَّ تَكَوَّنَتِ الْيَابِسَةُ فِي هَذَا الْمَاءِ بِتَجْمِيعِ مَوَادِّهَا طَبَقَةً بَعْدَ طَبَقَةٍ، وَتَوَلَّدَتْ فِيهَا الْمَعَادِنُ وَالْأَحْيَاءُ الْحَيَوَانِيَّةُ وَالنَّبَاتِيَّةُ بِسَبَبِ حَرَكَةِ أَجْزَاءِ الْمَادَّةِ وَتَجَمُّعِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ بِنِسَبٍ وَمَقَادِيرَ مَخْصُوصَةٍ وَقَدْ ظَهَرَ بِالْبَحْثِ وَالْحَفْرِ أَنَّ بَعْضَ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ خَالِيَةٌ مِنْ آثَارِ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ جَمِيعًا فَعُلِمَ أَنَّ تَكَوُّنَهَا كَانَ قَبْلَ وُجُودِهِمَا فِيهَا.فَهَذِهِ الْأَقْوَالُ وَمَا فَصَّلُوهَا بِهِ مِمَّا رَأَوْهُ أَقْرَبَ النَّظَرِيَّاتِ إِلَى سُنَنِ الْكَوْنِ وَصِفَةِ عَنَاصِرِهِ الْبَسِيطَةِ وَحَرَكَتِهَا، وَتَكُونُ الْمَعَادِنُ مِنْهَا، وَالْمَادَّةُ الزُّلَالِيَّةُ ذَاتُ الْقُوَى الَّتِي بِهَا كَانَتْ أَصْلَ الْعَوَالِمِ الْحَيَّةِ كَالتَّغَذِّي وَالِانْقِسَامِ وَالتَّوَلُّدِ، وَهِيَ الَّتِي يُسَمُّونَهَا بُرُتُوبِلَاسْمَا وَصِفَةِ تَكَوُّنِ الْخَلَايَا الَّتِي تَرَكَّبَتْ مِنْهَا الْأَجْسَامُ الْعُضْوِيَّةُ- كُلُّ ذَلِكَ تَفْصِيلٌ لِخَلْقِ الْعَوَالِمِ أَطْوَارًا بِسُنَنٍ ثَابِتَةٍ وَتَقْدِيرٍ مُنَظَّمٍ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ شَيْءٌ جُزَافًا، وَقَدْ أَرْشَدَ الْكِتَابُ الْحَكِيمُ إِلَى هَذِهِ الْحَقَائِقِ الْعَامَّةِ الثَّابِتَةِ فِي نَفْسِهَا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ كُلُّ مَا قَالُوهُ مِنْ فُرُوعِهَا وَمَسَائِلِهَا- بِمِثْلِ قَوْلِهِ: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [54: 49] وَقَوْلِهِ: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} [25: 2] وَقَوْلِهِ حِكَايَةً عَنْ رَسُولِهِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مُخَاطِبًا لِقَوْمِهِ: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا} (71: 13- 17) فَمِنْ دَلَائِلِ إِعْجَازِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ يُبَيِّنُ الْحَقَائِقَ الَّتِي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ مِنَ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا فِي زَمَنِ تَنْزِيلِهِ بِعِبَارَةٍ لَا يَتَحَيَّرُونَ فِي فَهْمِهَا وَالِاسْتِفَادَةِ مِنْهَا مُجْمَلَةٍ، وَإِنْ كَانَ فَهْمُ مَا وَرَاءَهَا مِنَ التَّفْصِيلِ الَّذِي يَعْلَمُهُ وَلَا يَعْلَمُونَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَرَقِّي الْبَشَرِ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْخَاصَّةِ بِذَلِكَ.وَقَدْ سَبَقَ عُلَمَاءُ الْإِسْلَامِ إِلَى كَثِيرٍ مِمَّا يَظَنُّ الْآنَ أَنَّ عُلَمَاءَ الْإِفْرِنْجِ قَدِ انْفَرَدُوا بِهِ مِنْ مَسَائِلِ نِظَامِ الْخَلْقِ. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْفَخْرِ الرَّازِيِّ: الْأَشْبَهُ أَنَّ هَذِهِ الْمَعْمُورَةَ كَانَتْ فِي سَالِفِ الزَّمَانِ مَغْمُورَةً فِي الْبِحَارِ فَحَصَلَ فِيهَا طِينٌ لَزِجٌ فَتَحَجَّرَ بَعْدَ الِانْكِشَافِ، وَحَصَلَ الشُّهُوقُ بِحَفْرِ السُّيُولِ وَالرِّيَاحِ وَلِذَلِكَ كَثُرَتْ فِيهَا الْجِبَالُ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا الظَّنَّ أَنَّا نَجِدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْجَارِ إِذَا كَسَرْنَاهَا أَجْزَاءَ الْمَائِيَّةِ كَالْأَصْدَافِ وَالْحِيتَانِ اهـ.يَظُنُّ بَعْضُ قَصِيرِي النَّظَرِ وَضَعِيفِي الْفِكْرِ أَنَّ الْخَلْقَ الْأُنُفَ- بِضَمَّتَيْنِ: الْجُزَافُ- الَّذِي لَا تَقْدِيرَ فِيهِ وَلَا تَدْرِيجَ نِظَامٍ- أَدَلُّ عَلَى وُجُودِ الْخَالِقِ وَعَلَى عَظَمَةِ قُدْرَتِهِ، وَيُقَوِّي هَذَا الظَّنَّ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ مَا عُلِمَ مِنْ كُفْرِ بَعْضِ الْبَاحِثِينَ فِي نِظَامِ الْخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ وَسُنَنِهِ بِالْخَالِقِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِنْ كَانَ كُفْرُهُمْ ذُهُولًا وَاشْتِغَالًا عَنِ الصَّانِعِ بِدِقَّةِ الصَّنْعَةِ، وَتَجْوِيزًا لِحُصُولِ النِّظَامِ فِيهَا بِنَفْسِهِ مُصَادَفَةً وَاتِّفَاقًا، وَالصَّوَابُ الْمَعْقُولُ: أَنَّ النِّظَامَ أَدَلُّ الدَّلَائِلِ عَلَى الْإِرَادَةِ وَالِاخْتِيَارِ، وَالْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ فِي آثَارِ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى وَحْدَانِيَّةِ الْخَالِقِ. فَإِنَّ وَحْدَةَ النِّظَامِ فِي الْعَالَمِ أَظْهَرُ الْبَرَاهِينِ عَلَى وَحْدَةِ الرَّبِّ تَعَالَى. وَمَا لَا نِظَامَ فِيهِ هُوَ الَّذِي قَدْ يَخْطُرُ فِي بَالِ رَائِيهِ أَنَّ وُجُودَهُ أَمْرٌ اتِّفَاقِيٌّ أَوْ مِنْ قَذَفَاتِ الضَّرُورَةِ الْعَمْيَاءِ أَوْ بِفِعْلِ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ. وَأَيُّ عَاقِلٍ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ كَوْمَةٍ مِنَ الْحَصَى يَرَاهَا فِي الصَّحْرَاءِ وَبَيْنَ قَصْرٍ مَشِيدٍ، فِيهِ جَمِيعُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مُتْرَفُو الْأَغْنِيَاءِ مِنْ حُجُرَاتٍ وَمَرَافِقَ، أَفَيُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ النِّظَامُ الْعَامُّ فِي الْعَالَمِ الْأَكْبَرِ وَوَحْدَةُ السُّنَنِ الَّتِي قَامَ بِهَا بِالْمُصَادَفَةِ؟ أَوْ أَثَرِ إِرَادَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ؟! كَلَّا.فَإِنْ قِيلَ: قَدْ وَرَدَ فِي الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ أَنَّ هَذِهِ الْأَيَّامَ السِّتَّةَ هِيَ مِنْ أَيَّامِ دُنْيَانَا وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ بَعْضُ مُفَسِّرِينَا، وَفِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِي فَقَالَ: «خَلَقَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتَ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الْأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الْإِثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرِ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ» وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْخَلْقَ كَانَ جُزَافًا وَدُفْعَةً وَاحِدَةً لِكُلِّ نَوْعٍ فِي يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِنَا الْقَصِيرَةِ.فَالْجَوَابُ: أَنَّ كُلَّ مَا رُوِيَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مِنَ الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ لَمْ يَصِحَّ فِيهَا حَدِيثٌ مَرْفُوعٌ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا وَهُوَ أَقْوَاهَا مَرْدُودٌ بِمُخَالَفَةِ مَتْنِهِ لِنَصِّ كِتَابِ اللهِ وَأَمَّا سَنَدُهُ فَلَا يَغُرَّنَّكَ رِوَايَةُ مُسْلِمٍ لَهُ بِهِ، فَهُوَ قَدْ رَوَاهُ كَغَيْرِهِ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْأَعْوَرِ الْمَصِّيصِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ وَهُوَ قَدْ تَغَيَّرَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ وَثَبَتَ أَنَّهُ حَدَّثَ بَعْدَ اخْتِلَاطِ عَقْلِهِ، كَمَا فِي تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مِمَّا حَدَّثَ بِهِ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ بَعْدَ إِيرَادِهِ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ: وَفِيهِ اسْتِيعَابُ الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَاللهُ تَعَالَى قَالَ: {فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} وَلِهَذَا تَكَلَّمَ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَجَعَلُوهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ لَيْسَ مَرْفُوعًا وَاللهُ أَعْلَمُ اهـ. أَيْ فَيَكُونُ رَفْعُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَهُ مِنْ خَلْطِ حَجَّاجِ بْنِ الْأَعْوَرِ. وَقَدْ هَدَانَا اللهُ مِنْ قَبْلُ إِلَى حَمْلِ بَعْضِ مُشْكِلَاتِ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمُعَنْعَنَةِ عَلَى الرِّوَايَةِ عَنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ الَّذِي أَدْخَلَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ شَيْئًا كَثِيرًا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْبَاطِلَةِ وَالْمُخْتَرَعَةِ وَخَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ كَذِبُهُ وَدَجَلُهُ لِتَعَبُّدِهِ، وَقَدْ قَوِيَتْ حُجَّتُنَا عَلَى ذَلِكَ بِطَعْنِ أَكْبَرِ الْحُفَّاظِ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ عَزَى إِلَيْهِ فِيهِ التَّصْرِيحُ بِالسَّمَاعِ. عَلَى أَنَّ رُوَاةَ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ أَخْرَجُوا عَنْ كَعْبٍ خِلَافَ هَذَا كَرِوَايَةِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: بَدَأَ اللهُ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَوْمَ الْأَحَدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالثُّلَاثَاءِ وَالْأَرْبَعَاءِ وَالْخَمِيسِ وَالْجُمُعَةِ وَجَعَلَ كُلَّ يَوْمٍ أَلْفَ سَنَةٍ. وَثَمَّةَ آثَارٌ أُخْرَى عَنْ مُفَسِّرِي السَّلَفِ فِي تَقْدِيرِ الْيَوْمِ مِنْهَا بِأَلْفِ سَنَةٍ. مِنْهَا رِوَايَةُ الضَّحَّاكِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ سَمَّوْا تِلْكَ الْأَيَّامَ بِأَسْمَاءِ أَيَّامِنَا فَإِنَّهُمْ لَا يَعْنُونَ أَنَّهَا مِنْهَا، عَلَى أَنَّ الْخَمْسَةَ الْأُولَى مَأْخُوذَةٌ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَعْدَادِ الْأُولَى.وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ آدَمَ خُلِقَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا رَوَاهُ عَنْ كَعْبٍ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ خَلْقَ آدَمَ قَدْ كَانَ بَعْدَ أَنْ تَمَّ خَلْقُ الْأَرْضِ وَصَارَتْ أَيَّامُهَا كَمَا نَعْلَمُ، فَنَقُولُ: إِنَّ اللهَ أَعْلَمَ رَسُولَهُ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ هُوَ الَّذِي سُمِّيَ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْجُمُعَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ مِنَ الْأَيَّامِ الْأَرْبَعَةِ الَّتِي خُلِقَتْ فِيهَا الْأَرْضُ كَمَا فِي سُورَةِ حم السَّجْدَةِ فُصِّلَتْ.وَسَرْدُ الْآيَاتِ الَّتِي خُلِقَتْ فِيهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ يُخَالِفُ بِتَفْصِيلِهِ مَا قَرَّرَهُ عُلَمَاءُ الْكَوْنِ مُخَالَفَةً صَرِيحَةً تَتَعَاصَى عَلَى التَّأْوِيلِ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ خَدَمُوا الدِّينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَلَمْ يَعُدُّوا هَذِهِ الْمُخَالَفَةَ عَلَى كَثْرَةِ مَسَائِلِهَا مَطْعَنًا فِي كَوْنِ سِفْرِ التَّكْوِينِ وَحْيًا كَسَائِرِ أَسْفَارِ التَّوْرَاةِ، وَجَزَمُوا بِتَفْسِيرِ الْيَوْمِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ وَإِنْ وَرَدَ فِي وَصْفِ كُلٍّ مِنْهَا: وَكَانَ مَسَاءَ وَكَانَ صَبَاحَ وَهَاكَ أَمْثَلُ حَلٍّ لِلْإِشْكَالِ عِنْدَهُمْ: قَالَ الدُّكْتُورُ بوست فِي قَامُوسِ الْكِتَابِ الْمُقَدَّسِ بَعْدَ تَلْخِيصِ الْفَصْلَيْنِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي مِنْ سِفْرِ التَّكْوِينِ: وَإِذَا قَالَ أَحَدٌ إِنَّ قِصَّةَ الْخَلِيقَةِ فِي هَذَيْنِ الْإِصْحَاحَيْنِ لَا تُطَابِقُ فِي كُلِّ شَيْءٍ عِلْمَ الْهَيْئَةِ وَالْجِيُولُوجْيَا أَيْ عِلْمَ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ أَجَبْنَا:(أَوَّلًا): إِنَّ الْكَلَامَ عَنِ الْخَلِيقَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ كَلَامًا عِلْمِيًّا.(ثَانِيًا): إِنَّهُ يُطَابِقُ قَوَاعِدَ الْعِلْمِ الرَّئِيسِيَّةَ مُطَابَقَةً غَرِيبَةً لَا يَسَعُنَا الْبَحْثُ عَنْهَا هُنَا مَلِيًّا، فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمَادَّةَ قَبْلَ النُّورِ وَلَازِمَةٌ لِظُهُورِ النُّورِ، وَأَنَّ النُّورَ الْمُنْتَشِرَ قَدْ سَبَقَ جَمْعَ الْمَادَّةِ عَلَى هَيْئَةِ شُمُوسٍ وَسَيَّارَاتٍ، وَأَنَّ الْأَجْرَامَ السَّمَاوِيَّةَ لَمْ تَظْهَرْ لِلْوَاقِفِ عَلَى سَطْحِ الْأَرْضِ قَبْلَ فَصْلِ الْأَبْخِرَةِ عَنْ سَطْحِهَا وَتَكْوِينِ الْجِلْدِ، وَأَنَّ كُلَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ سَبَقَتِ الْحَيَاةَ النَّبَاتِيَّةَ وَالْحَيَوَانِيَّةَ، وَأَنَّ الْإِنْسَانَ آخِرُ الْخَلِيقَةِ الْحَيَوَانِيَّةِ اهـ.وَنَقُولُ: إِنَّ فِي هَذَا الْإِجْمَاعِ الَّذِي ادَّعَاهُ أَبْحَاثًا لَا حَاجَةَ إِلَى الْخَوْضِ فِيهَا هُنَا، وَلَوْ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الَّذِي فَصَّلَ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ لِلْخَلِيقَةِ لَمَا رَضِيَ مِنَّا بوست بِمِثْلِ هَذَا التَّأْوِيلِ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَانُوا يُنْكِرُونَ عَلَيْهِ كَمَا أَنْكَرُوا عَلَى التَّوْرَاةِ. وَمِنَ الظَّاهِرِ الْجَلِيِّ أَنَّ سِفْرَ التَّكْوِينِ مَوْضُوعٌ لِبَيَانِ صِفَةِ الْخَلْقِ بِالتَّفْصِيلِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُخَالِفَ الْوَاقِعَ إِذَا كَانَ وَحْيًا مِنَ اللهِ: وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ إِلَّا لِأَجْلِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى وَحْدَانِيَّةِ الرَّبِّ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ وَحْدَهُ كَمَا بَيَّنَّا آنِفًا.{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} أَيْ ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدِ اسْتَوَى بَعْدَ تَكْوِينِ هَذَا الْمُلْكِ عَلَى عَرْشِهِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، يُدَبِّرُ أَمْرَهُ وَيُصَرِّفُ نِظَامَهُ حَسَبَ تَقْدِيرِهِ الَّذِي اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ فِيهِ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [10: 3] وَفِي سُورَةِ الرَّعْدِ: {اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمْدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمَّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لِآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (13: 2، 3) وَهُوَ بِمَعْنَى مَا هُنَا.الْعَرْشُ فِي الْأَصْلِ الشَّيْءُ الْمُسَقَّفُ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ، وَبَيَّنَّا اشْتِقَاقَهُ فِي تَفْسِيرِ الْجَنَّاتِ الْمَعْرُوشَاتِ مِنْ سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَيُطْلَقُ عَلَى هَوْدَجٍ لِلْمَرْأَةِ يُشْبِهُ عَرِيشَ الْكَرْمِ، وَعَلَى سَرِيرِ الْمَلِكِ وَكُرْسِيِّهِ الرَّسْمِيِّ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ وَالتَّدْبِيرِ.وَحَقِيقَةُ الِاسْتِوَاءِ فِي اللُّغَةِ التَّسَاوِي وَاسْتِقَامَةُ الشَّيْءِ وَاعْتِدَالُهُ، وَمِنَ الْمَجَازِ كَمَا فِي الْأَسَاسِ: اسْتَوَى عَلَى الدَّابَّةِ وَعَلَى السَّرِيرِ وَالْفِرَاشِ، وَانْتَهَى شَبَابُهُ وَاسْتَوَى، وَاسْتَوَى عَلَى الْبَلَدِ اهـ، وَقَالَ فِي مَادَّة عَ رَشَ: وَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ إِذَا مَلَكَ، وَثَلَّ عَرْشُهُ إِذَا هَلَكَ اهـ. وَفِي الْمِصْبَاحِ: وَاسْتَوَى عَلَى سَرِيرِ الْمُلْكِ- كِنَايَةً عَنِ التَّمَلُّكِ وَإِنْ لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ، كَمَا قِيلَ: مَبْسُوطُ الْيَدِ وَمَقْبُوضُ الْيَدِ، كِنَايَةً عَنِ الْجُودِ وَالْبُخْلِ اهـ.لَمْ يَشْتَبِهْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي مَعْنَى اسْتِوَاءِ الرَّبِّ تَعَالَى عَلَى الْعَرْشِ، عَلَى عِلْمِهِمْ بِتَنَزُّهِهِ سُبْحَانَهُ عَنْ صِفَاتِ الْبَشَرِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ، إِذْ كَانُوا يَفْهَمُونَ أَنَّ اسْتِوَاءَهُ تَعَالَى عَلَى عَرْشِهِ عِبَارَةٌ عَنِ اسْتِقَامَةِ أَمْرِ مُلْكِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَهُ وَانْفِرَادِهِ هُوَ بِتَدْبِيرِهِ. وَأَنَّ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مَعْرِفَةِ كُنْهِ ذَلِكَ التَّدْبِيرِ وَصِفَتِهِ وَكَيْفَ يَكُونُ، بَلْ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ عَرْشٍ، وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنَّ لِلَّهِ عَرْشًا خَلَقَهُ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَأَنَّ لَهُ حَمَلَةً مِنَ الْمَلَائِكَةِ، فَهُوَ كَمَا تَدُلُّ اللُّغَةُ مَرْكَزُ تَدْبِيرِ الْعَالَمِ كُلِّهِ.قَالَ تَعَالَى فِي سُورَةِ هُودٍ: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} [11: 7] وَلَكِنَّ عَقِيدَةَ التَّنْزِيهِ الْقَطْعِيَّةَ الثَّابِتَةَ بِالنَّقْلِ وَالْعَقْلِ كَانَتْ مَانِعَةً لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَتَوَهَّمَ أَنَّ فِي التَّعْبِيرِ بِالِاسْتِوَاءِ عَلَى الْعَرْشِ شُبْهَةَ تَشْبِيهٍ لِلْخَالِقِ بِالْمَخْلُوقِ. كَيْفَ وَأَنَّ بَعْضَ الْقَرَائِنِ الضَّعِيفَةِ لَفْظِيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً تَمْنَعُ فِي لُغَتِهِمْ حَمْلَ اللَّفْظِ عَلَى مَعْنَاهُ الْبَشَرِيِّ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ لَا يُعْقَلُ؟ فَكَيْفَ وَالِاسْتِوَاءُ عَلَى الشَّيْءِ مُسْتَعْمَلٌ فِي الْبَشَرِ اسْتِعْمَالًا مَجَازِيًّا وَكِنَائِيًّا كَمَا تَقَدَّمَ؟ وَالْقَاعِدَةُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي كُلِّ مَا أَسْنَدَهُ الرَّبُّ تَعَالَى إِلَى نَفْسِهِ مِنَ الصِّفَاتِ وَالْأَفْعَالِ الَّتِي وَرَدَتِ اللُّغَةُ فِي اسْتِعْمَالِهَا فِي الْخَلْقِ: أَنْ يُؤْمِنُوا بِمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ مَعْنَى الْكَمَالِ وَالتَّصَرُّفِ مَعَ التَّنْزِيهِ عَنْ تَشْبِيهِ الرَّبِّ بِخَلْقِهِ، فَيَقُولُونَ: إِنَّهُ اتَّصَفَ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَحَبَّةِ وَاسْتَوَى عَلَى عَرْشِهِ، بِالْمَعْنَى الَّذِي يَلِيقُ بِهِ، لَا بِمَعْنَى الِانْفِعَالِ الْحَادِثِ الَّذِي نَجِدُهُ لِلْحُبِّ وَالرَّحْمَةِ فِي أَنْفُسِنَا، وَلَا مَا نَعْهَدُهُ مِنَ الِاسْتِوَاءِ وَالتَّدْبِيرِ مِنْ مُلُوكِنَا. وَحَسْبُنَا أَنْ نَسْتَفِيدَ مِنْ وَصْفِهِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ أَثَرَهُمَا فِي خَلْقِهِ، وَأَنْ نَطْلُبَ رَحْمَتَهُ وَنَعْمَلَ مَا يُكْسِبُنَا مَحَبَّتَهُ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِمَا مِنْ مَثُوبَتِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَنَسْتَفِيدُ مِنَ الِاسْتِوَاءِ عَلَى عَرْشِهِ كَوْنَ الْمُلْكِ وَالتَّدْبِيرِ لَهُ وَحْدَهُ فَلَا نَعْبُدُ غَيْرَهُ، وَلِذَلِكَ قَرَنَهُ فِي آخِرِ آيَةِ يُونُسَ بِقَوْلِهِ: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [10: 3] وَفِي سُورَةِ الم السَّجْدَةِ {اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} [32: 4] وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا صَدَّرْنَا بِهِ تَفْسِيرَ الْآيَةِ مِنْ أَنَّهَا كَأَمْثَالِهَا تُقَرِّرُ وَحْدَانِيَّةَ الرُّبُوبِيَّةِ عَلَى أَنَّهَا حُجَّةٌ لِوَحْدَانِيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ وَإِبْطَالِ عِبَادَةِ غَيْرِهِ تَعَالَى مَعَهُ بِمَعْنَى مَا كَانُوا يَدْعُونَهُ مِنَ الشَّفَاعَةِ.
|